فهذا الحديث من أعظم الأحاديث، بل هو أفضل وأشرف حديث في الإسلام؛ لأسباب كثيرة، وقد ذكرناها قبل، وهو أفضلها من عدة جهات، فإذا نظرنا من جهة موضوعه: فإنه أشتمل على مراتب الدين الثلاث وهذه لم يشملها حديث آخر، فإن الأحاديث الأخرى تذكر مرتبة واحدة.ومن حيث وقته: فإنه كان في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أشمل معنى، ولا نقول: إنه ناسخ؛ لأن هذه الأمور لا يدخلها النسخ، وإنما هي تكمل شيئاً فشيئاً، كما قال تعالى: ((
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ))[المائدة:3]، فهنا تكتمل الشرائع، فبهذا الحديث اكتمل معنى ومفهوم الإيمان.ومن جهة أخرى أيضاً: أنه اشتمل على بيان حقيقة الإيمان الظاهر والباطن، فذكر أصول الشرائع الباطنة، وأصول الشرائع الظاهرة؛ لأنه اشتمل على ذكر أركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة.وكذلك من ناحية: أن هناك أحادث كثيرة يحدث بها النبي صلى الله عليه وسلم أو يسأله السائل فيجيب، وأما هذا الحديث فله ميزة أخرى وهي: أن الرسول الملكي الذي أرسله الله تبارك وتعالى بهذا الدين، وأنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، فجاء بهذا الكتاب وهذا القرآن، وهو أفضل الملائكة عند الرحمن تعالى؛ جاء بنفسه، ولم يأت ليخبر، وإنما ليستعلم من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقرره على ما يقول، ثم ينصرف، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (
هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم )، فله مزية من جهة: كيفية التعليم.فكثير من الأحاديث يكون التعليم فيها مباشراً، فتقول لأحد مثلاً: اعلم أن الدين كذا، أو افعل كذا، أو لا تفعل كذا، كما قال صلى الله عليه وسلم: (
إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، وقال للرجل: (
قل آمنت بالله ثم استقم )، وقال للآخر: (
اتق الله حيثما كنت )، وقال للآخر: (
لا تغضب )، ويخطب على المنبر، يعظ ويذكر ويبين لأصحابه ما أنزل الله عليه، فهذا أسلوب تعليم مباشر، لكن هذا الحديث له مزية في التعليم، فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني وقال لي: كذا وكذا؛ كما في حديث: (
إن روح القدس نفث في روعي: إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ).إذاً فهذا الحديث يختلف عن غيره من الأحاديث بهذه المزية، فنجعلها المزية الأولى؛ لأنها تتعلق بشكل وكيفية التعليم.إذاً: فهذه الرسول الملكي؛ الذي هو أفضل ملائكة الله تعالى، وهو الروح الذي ينزل بالروح من الله تعالى، فقد سمى الملك روحاً، وسمى ما ينزل به الملك روحاً أيضاً، وهو القرآن والذكر؛ لأن به تكون الحياة، وهذا كله قد تقدم، فالرسول الملكي هذا هو أفضل الملائكة، ويأتي إلى أفضل رسول بشري، وبحضرته أصحابه الكرام، وكلهم ينظر إليه ويعجب منه لهذه الهيئة الغريبة، وهذا أدعى أن يتفطنوا لما يقول، ففيه نوع من شد الانتباه، كما قال
عمر .